مجتمعمقال رأي

مناورات الأسد الإفريقي بالصحراء المغربية ، هل هي مؤشر لنقل ادارة أفريكوم للمغرب ؟

ستكون بداية مقالنا احدى المقولات الشهيرة لهنري كسنجر ، وزير خارجية الولايات المتحدة ومستشار الأمن القومي الأمريكي ، في حكومتي  ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد، قوله : “ان التاريخ هو ذاكرة الامم ، أو معمل كبير لتجارب البشرية ، يحفل بمعادلات النجاح لمن يحسن صياغتها “.
حقيقة ان الدول تختلف في مقومات و معدلات النجاح ليس فقط على مستوى سياستها الداخلية ولكن كذلك على مستوى سياستها الخارجية ، ومدى تدبيرها للازمات الطارئة ، وحتى وإن توفرت على تلك المعادلات المحفزة للتطورها وتصنيف مكانتها الدولية وتقييم حجم سياستها في مختلف المجالات، يبقى الأهم في مدى إمتلاكها لتقنية و معرفة صياغة تلك المعادلات و طريقة توظيفها .

لا يمكن لأحد أن ينكر الجهود الدولية التي قادتها الديبلوماسية المغربية من أجل الدفاع عن قضية الوحدة الثرابية، وعن المقاربات المتعددة في تدبير الملف ، ومنها توالي فتح القنصليات بالعيون والداخلة ، دون ان نغفل على الحدث التاريخي الكبير الذي عرفته مدينة العيون المتمثل في الزيارة الملكية التي حملت رسائل متعددة للمجتمع الدولي وكذا لخصوم الوحدة الثرابية ، بأن الصحراء جزأ لا يتجزأ من المغرب ، وبجدية مقترح الحكم الذاتي كأقصى مايمكن تقديمه كحل للمشكل المفتعل ، والخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها في التعاطي الإقليمي والدولي مع قضيتنا العادلة .
ينضاف لكل تلك المكتسبات الدبلوماسية الاعتراف الامريكي بسيادة المغرب على صحرائه .
لن نقف على كل المحطات التي ميزت التناول الدبلوماسي لقضية الصحراء المغربية في إطار التوجيهات الملكية كدبلوماسية هجومية إستباقية ، وهذا ما اتسم به رد المغرب على الجارة الشمالية واقصائها من عملية مرحبا ، بل وأكثر الرد الحازم للمغرب بأن ازمته مع اسبانيا هي ازمة ثنائية ولا مجال لاقحام الاتحاد الاوروبي في نزاع تتسابق فيه اسبانيا لتحقيق مصالحها الخارجية وعلى حساب قضية وحدة دولة ذات سيادة كاملة وعضو فاعل في المنتظم الدولي .
اسبانيا التي ماكان لها ان تنسحب من عملية الأسد الإفريقي الأخيرة، والتي شكلت عمليات المحبس بهضاب الحمادة المطلة على تندوف ، التي تضم القاعدة العسكرية للجزائر والتي تعتبر خلفية تعتمد عليها البوليساريو في مناوشاتها ضد المغرب وفي تعاملها مع العصابات الارهابية، المتاجرة في السلاح والبشر والاعانات الانسانية ، التي يتحملها دافعوا الضرائب الاوربيون والغربيون من جيوبهم و التي تحتضن مخيمات المحتجزين الصحراويين المغاربة ، ومن جنسيات إفريقية والدين تقدمهم الجزائر على اساس أنهم لاجئين صحراويين .

عمليات جوية وأرضية يقودها خبراء و ضباط هندسة العمليات العسكرية الميدانية ، المرتبطة بتحديد الاهداف عن طريق الاقمار الاصطناعية المعدة لمباشرة مختلف التدخلات لحل الازمات وتحديد التجمعات الارهابية والجماعات الشبه عسكرية المدعومة من دولة او أكثر ، وبتكنولوحية حربية عالية تتطلبها طبيعة تضاريس الصحراء المغربية .

لايخفى على متتبعي ماوقع بالكركرات في أكتوبر 2020 حين اقتحمت عناصر من البوليساريو الجدار الأمني ، وأوقفت حركت المرور بهذا المعبر لأسابيع مما مس بشكل خطير التجارة الدولية بين المغرب وموريتاتيا ومختلف دول الغرب الافريقي، وعلى رأسها دولة السنغال ، لتدخل بعده فرقة العمليات الخاصة التابعة للقواة المسلحة الملكية ، بتحرير المعبر من مليشيا البوليساريو ودون استعمال رصاصة واحدة .
لقد اتضح للعالم أن التهديدات الأمنية القادمة من الساحل والصحراء والتي تقودها جماعات ارهابية وعصابات الاتجار في الاسلحة والبشر ومختلف الجرائم المنظمة وتستغلها البوليساريو وصنيعتها الجزائر لزعزة الأمن والاستقرار في حدودها مع الشقيقة موريتانيا ، بل وتهدد المشاريع الاسثتمارية الدولية والاثفاقيات الاقتصادية التي أبرمها المغرب مع العديد من الدول ، خاصة لما تعرفه منطقة الصحراء المغربية من أمن واستقرار و تنمية مستمرة جعلتها قطبا اقتصاديا دوليا من خلال مشاريع ضخمة ، كميناء الداخلة الاطلسي وميناء مهريز الدوليين ، والدفع باعادة اعمار مدينة الكويرة وانشاء مينائها التجاري الذي سيكون عصبة للتجارة البحرية مع الدول الإفريقية ، أقول لن يكتمل ذلك إلا بمحاربة كل مايمكن أن يهديد أمن استقرار المنطقة .

لنعد بقرائنا الاعزاء لسنة 1980 ونقلا عن جريد “the NewYorktimes”في مقال لها نشر، عن تستر الولايات المتحدة الأمريكية لمقتل مواطنها Joseph Christian الذي ثم تصفيته بدم بارد في الرابوني سنة 1980 ، وأمام شهود عيان التقتهم السفارة الأمريكية بالعيون و أرسلتهم لواشنطن للقاء وزارة خارجيتها ؟
أمريكا أقامت الدنيا و لم تقعدها على ليبيا القذافي بسبب حادثة لوكيربي و صمتت صمت القبور سنة 1980.
بعد استهداف طائرتين لها بتاريخ 11 دجنبر 1988 ، قتل جميع أفراد الطاقم الأمريكيين الخمسة الذين كانوا على متنها عندما أصاب صاروخ أرض – جو طائرة تستعمل لرش الجراد ، من طراز DC-7، وتحطمت في الصحراء . كما أصيبت طائرة أخرى من طراز DC-7 مستأجرة من قبل وكالة التنمية الدولية لكنها هبطت بسلام في سيدي إفني بالمغرب ،حيث كانت كلتا الطائرتين ترشّان ضد غزو الجراد في السنغال.
ويضيف ذات المقال أن البوليساريو : إكتفت بإرسال رسالة تلكس telex من الجزائر العاصمة إلى وكالة أسوشيتد برس ، تقول فيها ( إن متمردي البوليساريو ، الذين يقاتلون المغرب من أجل استقلال” الصحراء الغربية” ، أخطأوا ضرب طائرتي DC-7 لاعتقادهم أنهما طائرتين عسكريتين مغربيتين.
المتتبع لما قامت به البوليساريو وتقوم به في منطقة الرابوني ووجود مقاتلين تابعين لها من تنظيم داعش الارهابي يجعل الجزائر مسؤولة امام المنتظم الدولي على رعاية واحتضان منظمة إرهابية تسعى الى زعزعة الامن والاستقراربمنطقة الغرب الافريقي والمس بالأمن الحدودي بين المغرب وموريتانيا .
لعل الحفاظ على الأمن و مواحهة الأزمات ومحاربة الارهاب بمافي ذلك الجماعات المسلحة الشبه عسكرية التي ترعاها دولة ، والتي لا يمكن لأي خبير عسكري او أمني أن يستتني منها عصابة البوليساريو ، كانت من بين اهداف التداريب الميدانية وتقوية قدرات الجنود التابعين لمختلف الوحدات العسكرية للدول المشاركة في تداريب الأسد الافرقي لسنة 2021 بما فيها قوات الحلف الأطلسي باستثناء اسبانيا المنسحبة من التداريب نظرا للازمة الديبلوماسية الطارئة بين الرباط ومدريد ، واستقبال المدعو بن بطوش بل والسماح بمغادرته ثرابها دون تفعيل مساطر التحقيق الصادرة في حقه من طرف قضائها كمجرم حرب .

إن التداريب العسكرية الميدانية التي عرفتها مناطق من الجنوب المغربي، منها منطقة المحبس بالصحراء المغربية ، وعلى مرمى من منطقة تندوف ، والتي تهدف ليس فقط الى توثيق العلاقات العسكرية بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية ، وتطوير المهارات الميدانية والقتالية للقوات المشاركة ، بل كذلك الى التدريب على تضاريس متنوعة منها (صحراء وهضاب ووديان ومنبسطات ومناطق قريبة من البحر) والتي تعكس تضاريس مجموع منطقة الصحراء الكبرى.
مع العلم ان مناورات الأسد الإفريقي والتي إنطلقت أولى نسخها سنة 2007 لتستمر سنويا ، باسثتناء سنة 2013 التي تم إلغاء المناورات فيها بناء على طلب من المملكة المغربية  ردا على مساعي واشنطن تقديم مسودة قرار إلى مجلس الأمن لتوسيع مهمة بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان بالصحراء .
والاهم في هذه المناورات الممتدة مند سنة 2007 ، تداريب شملت هذه السنة مناورات بالصحراء المغربية وبالدخيرة الحية ومشاركة دول مختلفة بعيد تأكيد قرار الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه مما يعتبر حسب العديد من الخبراء السياسيين والأمنيين ، تثبيت للقرار الامريكي وإجماع دولي على وجود خطر يتهدد الامن والسلم بمنطقة الغرب الإفريقي ، تقوده جماعات ارهابية وعصابات الاتجار بالاسلحة والبشر ومختلف انواع الجريمة المنظمة والعابرة للحدود وبرعاية لجبهة البوليساريو التي تدخل في خانة الجماعة المسلحة المدعومة من طرف دولة، والتي تستغلها لزعزعة الاستقرار والسلم بالمنطقة ، وتشكل تهديدا مباشرا ضد كل تنمية وإستثمار وطني ودولي بالمنطقة .
لن نطيل على قرائنا الكرام أن مناورات الأسد الافرقي والتداريب المباشرة من طرف القوات الافريقية والدولية المشاركة ، واهداف هذه التداريب والتي تدخل كلها في إطار أهداف وحدة العمليات العسكرية الامريكية بأفريقيا أفريكوم والتي تضم 53 دولة إفريقية ، والتي تهدف حسب مسؤولو البنتاغون الأمريكي الى التصدي لانتشار ظاهرة الإرهاب الدولي سيما شبكة القاعدة في دول الساحل والصحراء .
غير أن هناك اعتبارات أخرى لا تقل أهمية عن محاربة الارهاب والعصابات والجماعات المسلحة ، هو حماية الاستثمارات الغربية بالقارة ومصادر الطاقة ومواجة زحف الصين .
خلاصة القول أن المملكة المغربية استطاعت أن تحقق انتصارات ديبلوماسية ومواقف حازمة بخصوص قضية الوحدة الثرابية ،فضلا على انها أصبحث تلعب دورا مهما بإفريقيا، ودورا عسكريا إستفاد من تطوير القوات المسلحة الملكية لترسانتها العسكرية وإمتلاكها لتكنولوجيا عسكرية متطورة كشفت بعض أسرارها عمليتي درون الأخيرتين ،الأمر الذي يجعل المغرب البلد الإفريقي الوحيد المؤهل لاحتضان مقر قيادة أفريكوم بعد نقل نقلها قيادتها من ولاية بادن فورتمبرغ فى جنوب ألمانيا.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام بهيئة المحامين بأكادير والعيون.
باحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

المرجوا دعمنا