قراءة بشأن الانتخابات الجماعية المقبلة: جماعة إبن جرير نموذجا..
محمد خليفة
يستعد المغرب لسنة انتخابية بامتياز، فبعد الحسم في القوانين الانتخابية، وتأكيد تواريخها، في انتظار تحيين بعض النصوص التنظيمية، يتجدد النقاش حول التكهنات، وبما أننا سنتخذ مجالا معينا كعينة، حيث لا حديث اليوم بإقليم الرحامنة، وعلى رأسها مدينة ابن جرير، على غرار مجموع التراب الوطني، بما أنها الجماعة الوحيدة الخاضعة بالإقليم للنمط اللائحي في الاقتراع، إلا في هذا السياق، ولندلي بدلونا في هذا الحديث، نستهل الأمر بافتراض وإن كان مستبعد.
فإذا افترضنا استقرار نتائج 2015، وهذا لئن كان مستبعد فإنه سيكون مبنيا عليه، بجماعة ابن جرير، فإن حزب الأصالة والمعاصرة (الجرار) سيخسر 3 مقاعد ليحافظ على الأغلبية، وحزب التجمع الوطني للأحرار (الحمامة) سيخسر مقعد، وحزب المصباح بالمثل، لمصلحة اليسار بمقعدين، لتوزع الثلاثة على الاستقلال والحركة والاتحاد الاشتراكي.
قلنا مستبعد، نظرا لعدة متغيرات، فيها ما هو قانوني وتقني صرف، وفيها ما هو سياسي مرتبط بسياق الاستحقاق الانتخابي، وفيها ما يرتبط بثقافة وخصوصية المجال.
أولها: أن المنظومة الانتخابية المتغيرة، لا مناص من أن تلحق تغيرا بأساس التوزيع، حيث من المتوقع أن تنتقص من مجموع جزء اللائحة الأول لصالح جزئها الثاني، سعيا لتحقيق ما يسعى إليه الفصل 19 من الدستور، في انتظار تأكيد وتحديد النص التنظيمي.
ثانيها: إعتماد قاسم انتخابي على أساس المصوتين، يجعل قيمة المقعد ترتفع من حيث عدد الأصوات، إلا أن ذلك مرتبط بحجم المشاركة، وبقيمة البقايا الكبيرة، وحتى لا نستبق الأمر، فإن ثمة متغير لاحق سنذكره فيما، قد يفتت المجالس لتمثيليات صغيرة.
ثالثها: ذلك المتغير هو استبعاد العتبة، وبالتالي فإن إلغاء هذا المعيار سيتيح الفرصة أمام لوائح أخرى للمشاركة في السحب، وبما أن الأمر قد يمتد إلى معيار أكبر البواقي فليس من المستبعد أن تحصل لائحة معينة بأصوات جد قليلة على مقعد.
رابعها: أن هذه الانتخابات ستكون مساوقة لنظيرتها التشريعية، في دائرتيها المحلية والجهوية، ثم ما تعلق بلائحة مجلس الجهة، ومسبوقة بقرابة الشهر بانتخابات الغرف المهنية، وهذا ما يضع الأحزاب أمام اختبار مجاراتها، فمن سيستطيع تغطية الدوائر، وتدبير الأمور مع الحفاظ على الانسجام الداخلي، بإمكانه إحداث الفارق.
خامسها: التنافسية التي قد تكون حادة، بالنظر لموقع جماعة ابن جرير في خريطة الرحامنة، وجاذبيتها الداخلية إذا ما استحضرت طبيعتها الديمغرافية، وباعتبارها الجماعة الوحيدة ذات النمط اللائحي في الإقليم، حيث ينتظر ظهور لاعبين جدد، إلى جانب التقليدي منهم، لينتظر أن تتبارى زهاء 10 لوائح في الجماعة المعنية، بحظوظ متفاوتة.
سادسها: التصدعات الداخلية التي حدثت، وينتظر أن تحدث كلما اقترب الموعد، داخل بعض الأحزاب، حيث قد تتراجع وتعود، وإن كانت الحزبية خافتة في السلوك السياسي (للنخبة المحلية) إذا صح اعتبارها كذلك، إذ تعد التزكيات أساس الترضيات والتوافقات، ولأجلها ينتقل المنتخب قبل انتهاء الولاية الانتدابية لهذا الحزب أو ذاك، مهما اختلفا وتباعدا في اللون، بما في ذلك من سلوك لا أخلاقي يخل بالأمانة في التمثيل، فيصبح عدو الأمس صديق اليوم، ونقول عدو لحدة الصراع وانعدام تخليقه في بعض الأحيان، وبالتالي فالنتيجة أن لا حزبية، ما دام ذلك إلى جانب مقرات مقفلة وسبات إلى حين الموعد الانتخابي.
سابعها: أن السلوك الانتخابي لا يرتكز على اللون السياسي أو ما قد يقدمه من برامج، إن كانت، بقدر ما يتوجه للأشخاص، وإن تراجعت أسهم البعض، فإنه ما زال من شأن حضوره أن يشكل نقطة مهمة، وإن بتحفظ شديد، دونما إغفال لحظوظ اللاعبين الجدد، ودونما تناسي لدور فاعلين آخرين داخل المعترك.
ثامنها: الاعتبارات الثقافية حيث تلعب أمور (الإحسان) أو الإطعام الانتخابي، والنسب المؤسس للولاءات، والمال الانتخابي، والاعتبار الجغرافي لبنجرير داخل الإقليم… أدوار مهمة في تغير الخريطة.
وبالرغم من كل هذا فإن ولايتين متتاليتين لحزب الأصالة والمعاصرة في تدبير جماعة ابن جرير، من الطبيعي أن تقود إلى تراجعه، في ظل تغيرات مركزية، انعكست على المحلي، وثمة مؤشرات لابد من استحضارها، وإن اختلف السياق وجازفنا بطرحها، أبرزها ما حدث من تصويت عقابي سنة 2016 في الانتخابات التشريعية، الشيء الذي اتجه لمصلحة حزب العدالة والتنمية آنذاك، ولا نظنه يعاد بنفس الكيفية.
وفي الأخير فإن ضرورة الإقرار بصعوبة التنبأ بالخريطة السياسية للجماعة إياها، بل والانتخابات عموما، شيء صعب إن لم يكن مستحيلا، في ظل كل ما سلف، إلى جانب الاعتبارات الثقافية والخصوصية المحلية والسوسيو اقتصادية، وأي تحليل يحسم رقميا أو يحاول ذلك لضرب من الخيال.
لكن، المهم أن الأمر في ظل ما سبق يقود للتنبأ، وإن بالتحفظ والتريث الشديدين، لصعوبة حصول حزب ما على الأغلبية المطلقة لمجموع المقاعد دونما تحالف، حيث لا أعتقد أن يتجاوز أقوى الأحزاب 11 مقعد بما يجاوز 3000 صوت، إن ظلت المشاركة لا تتعدى 30 بالمائة، ما يجعله في حاجة إلى 8 مقاعد على الأقل ليضطلعا بالتدبير، وبأغلبية أقرب بقليل جدا للمريحة، إلا أن هذا الكلام يبقى مجرد تخمين سابق عن رؤية اللوائح المتنافسة، وهذا أمر لابد من الإشارة إليه.